Pages

15.1.10

بلا فرح

الساعة الثانية عشر مساء..

هي الآن نائمة على سرير قديم مصنوع من الحديد, في غرفة خشبية على سطح إحدى البنايات القديمة. تنظر إلى سقف الغرفة بعينين متحجرتين.. ضربات قلبها سريعة جدًا, أما كفاها الصغيرتان فمكبلتان بقوة قبضة يده الكبيرة. صرخاتها.. آهاتها.. أنينها صامت مختنق, أو ربما يكون أخرس عاجزًا.

قبل ساعتين طلب منها جدها الذي تسكن معه - بعد أن تركها والداها وذهبا إلى إحدى الدول العربية بحثاً عن المال الوفير- أن تشترى له موس حلاقة من المحل الذي يقع أسفل البناية المقابلة لهم تمامًا, ذلك المحل الصغير الذي تعودت أن تشترى منه الحلوى والبسكويت.

نزلت بسرعة وقد غمرتها فرحة طفولية.. لكن حين وصلت كانت قد نسيت تمامًا ما طلبه جدها منها.. ظلت تتهته وتفكر حتى اتخذت قرارها:
- علبة سجائر سوبر يا عم عبد العزيز.

أخذتها وعبرت الشارع الضيق الذي يفصل البنايتين.. وفجأة.. أصابها دوار شديد, أحست على أثرة بوهن لم تستطع حتى أن تكمل طريقها.. جلست على سلم إحدى سيارات النصف نقل التي تستعمل في صعيد مصر لنقل البشر بدلاً من الحيوانات والبضائع.

لم تشعر بنفسها إلا وهي بين يدي رجل أسمر ذي شعر أسود كثيف أشعث.. سألها من تكون؟ فأجابته في ضعف ثم غابت عن الوعي مجددًا.

مشاعره متضاربة بين الغضب منها والقلق الشديد عليها. إذ إنه حين يطمئن نفسه يحاول أن يفكر في أنها ربما قد ذهبت لتلعب مع أصدقائها, أما إحساسه الأبوي وعقله فيؤكدان أن ثمة مكروه قد حدث لها.. نزل إلى الشارع وبدأ يسأل الناس..
- عبد العزيز، ماشفتش فرح؟
- أيوه، جات اشترت لك السجاير ومشيت على طول.
كاد رأس الجد ينفجر.. ظل يجوب المنطقة ذهاباً وإيابًا والأفكار كلها تتلاعب به.

الآن بدأت شمس المغيب في الرحيل.. الجد على حاله وقد ارتفع ضغطه, بينما كان ينظر نحو المسجد الكائن في المنطقة.. لمح جسدًا صغيرًا يرتعش بجوار السور.

ذهب بسرعة, ثم نظر إليها.. نعم هي حفيدته ذات العشرة أعوام, بشعرها الأسود المشدود إلى الخلف على شكل ذيل حصان, وعينيها اللتان تشبهان اللوز في لونهما وشكلهما.. نعم هي بفستانها الأبيض المزركش بورود جورية صفراء.. لكنهُ ملوث ببقع حمراء.

No comments:

Post a Comment

أرحب بجميع الآراء و الملاحظات على مدونتي ^_^

قال تعالى : { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }

نسرين البخشونجى