Pages

22.12.13

نسرين البخشونجى: الإبداع يعانى من قيود مجتمعية

كتبت - رانيا هلال

الروائح هى إحدى التيمات المميزة التى استخدمتها الكاتبة نسرين البخشونجى، واعتمدت عليها فى السرد الروائى فى روايتها «عطر شاه»، من خلال لغة رقيقة شفافة تهتم بتفاصيل المكان والزمان حيث تتناول حياة كاتبة مغمورة تحاول تحقيق طموحها ككاتبة فى الوسط الأدبى الذى تصطدم بصراعاته المستترة وحروبه الباردة، وفى هذا الإطار تتطرق إلى علاقتها بالطبخ وبالوحدة وببعض مفردات حياتها، حيث يتشكل وجدانها طوال الوقت مع تعاقب الأحداث، «عطر شاه» هى الرواية الثانية للكاتبة بعد رواية «غرف حنين» الصادرة عام 2011 كما أصدرت الكاتبة أيضاً مجموعتها القصصية الأولى «بُعد إجباري» عام 2009.


■ ماذا عنيتى بعنوان روايتك «عطر شاه»؟
فى الحقيقة يعنى الكثير، فهو يعبر عن روح النص السردى علاوة على اسم الشخصية الرئيسية فى الرواية وهو اسم غير مألوف أساسا وبالتالى سيثير فضول القارئ.


■ تتعرف البطلة من خلال الرائحة على العالم إلى أى مدى تتشابهين معها فى ذلك؟
فى الحقيقة، أتشابه معها كثيراً، فأنا عاشقة للروائح والعطور ربما لهذا السبب فكرت فى أن أكتب فى مديح العطر، والمفروض أن لكل سيدة عطرها الذى يوازى شخصيتها، استخدم أنا مجموعة كبيرة من العطور على اختلاف أساسها بما يتوافق مع حالتى النفسية. لكنى أريد ان أنوه على أن «عطر شاه» ليست نسرين والرواية ليست جزءا من حياتى كما كتب فى إحدى الصحف.


■ «ليس من السهل أبدا أن يكون المبدع مرتبطا».. إلى أى مدى تتفقين مع هذا الرأي؟
بصراحة، اتفق كثيراً، أم كلثوم مثلا ادركت هذا فتزوجت فى وقت متأخر، الحياة مع المبدع بشكل عام والكاتب بشكل خاص ربما لا تكون مريحة لمعظم الناس، فمزاج ما قبل الكتابة وما بعدها يشبه «النوة» التى تحدث فى شتاء الإسكندرية. ومع ذلك لا أستطيع نفى نجاح تجربتى الزوجية فقط لكونه رجلا متفهما تماما لطبيعة شخصيتى وتقلباتى المزاجية التى أحيانا تكون عنيفة ومفاجأة.


■ هل تغير رأيك بعد مرور ثلاث سنوات على الثورة فيما يخص القيود المفروضة على الإبداع؟
أعتقد أن القيود المفروضة على الإبداع قيود مجتمعية بالأساس، ولن تتغير بالشكل الذى نتمناه إلا إذا تغيرنا نحن من داخلنا. أحيانا كثيرة أفكر ان لدينا تحفظات على أشياء لم يحرمها الدين أساسا، باختصار نحن فى حاجة لأن نثور على أنفسنا قبل أن نثور على من وما حولنا من مفردات مجتمعية أخرى.


■ ماذا أضافت الثورة لكتابة هذا الجيل؟
لا أظن أن الثورة أثرت فى هذا الجيل بل العكس هو الصحيح، الحركة الثقافية المتمثلة فى ظهور جيل من الكتاب الشباب بالإضافة إلى ظهور الفرق الموسيقية غير الاستهلاكية هى التى أسست للثورة ودعمتها بقوة.


■ هل نجحت المدينة الفاضلة التى أنشئت فى التحرير فى تغيير نظرتنا إلى الآخر؟
هكذا ظننت، لكن يبدو ان التغيير لم يشمل المجتمع بأكمله. منذ بداية الثورة انتشرت تعبيرات مثل «أجندات، عملاء، فلول» ثم تطور قاموس التخوين وصار يشمل اصطلاحات جديدة» لجان الكترونية، خلايا نائمة، طابور خامس، مخطوف ذهنياً، منجذب، شيطنة» كل هذه الكلمات وجدت طريقها إلى عقولنا تشبعنا بها حتى كدنا نشك فى انفسنا. نحن الآن نتعامل بطريقة من يخالفنى الرأى فهو بالضرورة خائن للوطن لم يعد لدينا مساحة للتفاهم.


■ كيف ترين تناول الرواية للمسألة الطائفية فى مصر وفى العالم العربى بشكل عام؟
بصراحة، أراها متشابكة وشائكة، نحن نحاول أن نجعل الظاهر عكس الحقيقة، نريد أن نرسم صورة لأوطاننا داخل إطار الوحدة والتضامن والمحبة، ونحن بعيدين كل البعد عن هذا الإطار، فى مصر مثلا حين تسألين عن طبيب سيقال لك حرفيا «أعرف طبيب ممتاز بس مسيحي» كما أذكر يوماً قالت لى زميلة مسيحية متحدثة عن زميلة أخرى «دى منكم مش مننا» فى إشارة لكون الأخرى مسلمة، نحن من داخلنا مشبعين بالطائفية دون أن نشعر.


■ لخص «مقهى زهرة البستان» كثيرا من نظرة الكاتبة لمنطقة وسط البلد ثقافيا واجتماعيا، هل لنا أن نتعرف أكثر على تلك النظرة؟
ليست نظرة بل واقع، معظم المثقفين يلتقون هناك على المقهى، هناك سترين وجه المثقفين الحقيقي، فالوسط الثقافى مثل أى وسط فى المجتمع فيه الصالح وفيه الطالح، آفته من وجهة نظرى الشللية وأنصاف الموهوبين، لكن يظل مجتمع المثقفين مختلفا ومثيرا.


■ «أجلس كثيرا ألعب النرد مع ظلي».. هل أضافت مواقع التواصل الاجتماعية إلى نصيبنا من الوحدة؟
أضافت الكثير، رغم أننا نظن العكس، يظهر على صفحتك عدد هائل من الأصدقاء لكن محصلة تفاعلهم معك تكاد تكون صفرا، وهو ما يجعلنى أتساءل ما جدوى وجودهم من الأساس؟ هل هو مجرد رقم نرجوه ونحرص طوال الوقت على ارتفاعه بالتعليقات وإشارات الإعجاب؟


■ أسماء الأماكن والشخصيات العامة وحتى الأفلام المذكورة فى الرواية هل أثار لديك قلقا من أن يؤدى إلى محدودية تلقى العمل؟
بالعكس، هى محاولة للاقتراب من القارئ وإضافة الواقعية للنص، لن أخفى عليك سرا، لقد غيرت بعض الاسماء التى تحدثت عنها بشكل سلبى داخل النص الروائي، لأنى لا أريد أن أجرح أحدا، ولا أرغب فى أن يقال إن نسرين تبحث عن الشهرة من خلال افتعال المشكلات فى الوسط الثقافى.


■ يدور السرد فى دوائر عديدة مركزها الوطن كما يتضح من بداية الرواية وحتى جملة النهاية، فكيف عالجت الرواية علاقتك بالوطن؟
الوطن هو المدار الأصيل فى النص، أحيانا مع المشكلات نظن أننا سنترك مصر ونعيش بسعادة بالغة فى الوطن البديل، وهذا غير حقيقي، يقول المثل «الغربة كربة»، ربما نفقد الأمل فى التغيير لما نصبو إليه، لكن تظل قلوبنا وأرواحنا معلقة بكل التفاصيل، الشوارع والطقس وملامح البشر.


1.12.13

زحمة..زين عبد الهادى

فوضى السرد و حرية الخيال, بهذا المنطق كتب الروائي زين عبد الهادي روايته " أسد قصر النيل". ستخدعك أول عبارة في هذا العمل " إلى الكلاب التي تبيض في صمت وكذلك إلى الدول..التي تنجب للعالم كل يوم - وبلا أدنى تردد -معتوها جديدا." فتظن انك بصدد قراءة عمل يمكن ان يصنف على انه "فانتازيا" لكنك من خلال كل حرف ستكتشف انك وقعت في شرك نص صعب رغم بساطة اللغة السردية.
الرواية مقسمة إلى عشرين فصلاً في إشارة للسنوات التي قضاها فتحي "بطل النص" فاقداً للذاكرة. تعتمد على تقنية الراوي العليم لكن من خلال عدة مستويات للوعى, من خلال كاتب الرواية فتحي السيد الصياد ابن العبد - "السيد العبد" كان اسم بطل رواية عبد الهادي "التساهيل في نزل الهلاهيل"- و في وعى اخر زين عبد الهادي نفسه ثم ستكتشف في نهاية الرواية ان فتحي و زين هم نفس الشخص. يتوازى مع السرد أغنية عدوية " زحمة يا دنيا زحمة" و أغنية نانسي سناترا" خمر الصيف" .
تدور الأحداث في مدينة "قاف" التابعة لطيبة التي تعانى الزحمة في كل شيء زحمة بشر, زحمة أفكار, زحمة أحداث, و زحمة المدعين و المنافقين. و هو عمل أراد كاتبة ان يكون كاشفا للتغيرات الاجتماعية, الثقافية, و السياسية في مصر مستخدماً اسماء فرعونية رغم انها تدور في الحاضر و كأنه يقول اننا توقفنا عن الإنتاج منذ العصر الفرعوني.
 "المسكوت عن اسمه" احد ايقونات الرواية و هو الحاكم الذى اعطى ابنه صلاحيات كثيرة و اعده لاستكمال المسيرة من بعده, في اشارة  لقضية توريث الحكم التي كانت احدى شرارات ثورة 25يناير.
لا اعرف ان كان زين عبد الهادى قد كتب روايته عقب ثورة يناير ام انه كمبدع استطاع ان يستشرف الثورة فميدان التحرير كان له دور كبير داخل احداث الرواية, " وجدت صورة حبيبتي، كانت الدماء تملأ وجهها وهي تنام على الأرض بعد أن اصطدمت بها واحدة من قنابل الدخان في ساحة ميدان التحرير، كنا معا، وكانت المظاهرة عارمة".
رغم ان الرواية ذكرتني بأفلام خالد يوسف لأنها تقدم الواقع المصري بكل ما فيه من سواد, إلا ان النص لم يخلو من مقاطع تدفعك دفعا نحو الابتسام خاصة حين يكتب "والمجنون حمدي أبوجليل بوجهه الطباشيري الذي يذكرني دائما بالطلاء الجيري حالة وهمية أخرى من الانجذاب لقاف، يمكنك أن تراه واقفا على عربة الفول في المساء ثم بعد أن ينتهي يأخذ ورقة جرائد يتطلع إليها في براءة ثم يمسح بها يديه وفمه ويلقيها على الرصيف." في إشارة للكاتب الشهير و رغبة معظم كتاب الاقاليم في الانتقال للقاهرة كونها عاصمة الفن و الثقافة.
من الملفت أن "الحشيش" ذلك النبات المخدر كتب عنه عبد الهادي في عدة مواضع من النص, للتعبير عن استهلاك شعب "قاف" له حتى يظلوا "عايشين في الوهم".

رواية ممتعه تحتاج لقارئ واع لخروج الكاتب عن السرد المألوف صدرت عن دار ميريت للنشر و التوزيع بالقاهرة في أربعمائة صفحة.