Pages

23.9.16

عيدية نسرين

(1)
في التفاصيل يكمن الشيطان.. هكذا يقول خبراء الاستراتيجية وضيوف الفضائيات المتأنقين بالكذب والبلاغة البلاستيك، لكن في «تفاصيل» نسرين البخشونجى يكمن الشجن الهفهاف، وهمسات الأنثى لنفسها ولأصحاب المشاعر في كل مكان، خاصة لو كانت الأنثى المفترضة في التفاصيل جنوبية سمراء لا تجيد التزلج على الجليد، ولا تمتلك قوام الباليرينا، خاصة لو كانت تلك الأنثى الجنوبية لا تزال موزعة بين حلم بنعومة النيل وواقع بصلادة الجبل، تقضي حياتها مثل نسخة عبثية من سيزيف تحمل على رأسها وفي قلبها أثقالا من الحجارة الصماء التي يحرسها آلهة التقاليد المتهالكة، خاصة لو كانت تلك الأنثى المطلقة في كل (مكان وزمان) تعاني في نهارها وليلها من خشونة الرجال والزمن.
(2)

«تفاصيل» نسرين، التي صدرت حديثًا عن دار نشر «روافد» المهتمة بالشعر والأدب، ليست قصصا قصيرة، كما يخدعنا الغلاف، لكنها نصوص مفتوحة تلامس سماء الشعر وأعماق الخاطرة التأملية، ودروب التراجيديات المقيمة، تأخذ شكل «البوست» أو التويتة أحيانا، وتأخذ شكل البطاقة التعبيرية أو السلوجان أحيانا أخرى، لكن نصوص نسرين المضمخة بعطر الوحدة، والغربة والحنين، والانتظار، ترسم بسلاسة مدهشة خريطة رومانسية ناعمة لمواجع المرأة.. وقد توقفت حائراً قبل كتابة كلمة المرأة، وترددت بينها وبين كلمة الفتاة أو البنات، لأن مشاعر نسرين تتراوح في المنطقة الحرجة بين عالم البنات العاطفي الفضفاض المليء بفخاخ الأحلام الوردية وصدمات الواقع المكتومة، وبين مشاعر الأمومة الأولى، حيث تسيل مشاعر البنات الجريحة، دمعاً يُنبت زهور الحياة في كائنات أخرى تحمل أملاً جديدا، ورغبة دائرية تتجاوز حيلة تعويض حياة شاخت في حياة غضة تتشكل.
(3)
لقد خطفتني نسرين من أول نظرة، عندما وقعت عيني على الإهداء الأول لابنتها مريم والذي قالت فيه بفيض الحب والذوبان:
«أطل على روحي من شباك عيونها... مريم».
ثم أجهزت على تربصي النقدي بإهدائها الثاني البديع إلى الكتابة، والذي يعبر عن غرامها السيزيفي بالتماهي والذوبان، وقالت فيه:
«إلى وطني الذي لا يعترف بالغربة، ولم أعرف فيه الوحدة.. أموت فيه ألف مرة، وأحيا ألف ألف مرة، وبينهما (محياي ومماتي) يكون وهج الحرف، وبرزخ الكلمة.
إليها... الكتابة

(4)
ليست مصادفة أن تؤخر نسرين التعريف في المرتين، فالمرأة في بلادنا عادة ما تؤخر الإعلان عن رغباتها، وتخبئ مقاصدها خجلاً أو خوفاً، وتكتم عواطفنا وتؤجل أحلامها، ربما حتى تتحول حياتها إلى قصة تحكيها سراً بصيغة: لو، وكان يا ما كان.
(5)
لا أرغب في قراءة نقدية لتفاصيل نسرين، بل في تقديم عيدية فرح ومحبة، لواحدة من بناتي المبدعات، تعرفت عليها محررة ثقافية نابهة في «المصري اليوم»، وسعدت بها روائية لها حكاية خاصة في «عطر شاه» و«غرف حنين»، وقاصة بطعم خاص جداً في «بعد إجباري»، وأكتفي بأن أنتقي لكم بعضا من تفاصيلها النابضة بالحياة، من دون أن تنزلق إلى الشكوى الممجوجة، أو تلوث الحزن والألم والانكسار بطعم المذلة والفاجعة:
(لا مفر)
«أشعر بالقهر، أريد أن أبكي، سيقولون إني لست برجل».
كادت تقول له ابك فالضحك كالبكاء، لكنها تذكرت أنه من العيب أن تضحك لأنها أنثى.

(كاتبة)
• صندوق بريدها ممتلئ برسائل الإعجاب، ليس من بينهم حرف يمتدح قلمها.
• ظلت حبيسة نص لم تكتبه، خشية.. فصارت ناقصة حرفا وحرية.
(انفجار)
حين دخلت صوان العزاء الذي أقامته المدرسة حدادًا على أرواح التلميذات، أرادت أن تفجر السكون المغلف بالحزن، قالت لمن تجلس بجوارها: «ربنا ستر بنات ملتنا، وعرّى الأخريات».
(عشق)
ذابا حتى لم يتبقَ منهما سوى أثر عطر ووردة.
(ح. ب)
أغرقت تفاصيل خلافاتهما بماء وريحان، ثم نثرت حرفي الحاء والباء على طمي قلبها.
(قناع)
ظلت ترتدي قناع الصمت في حضرته، وفي غيابه يزلزل صوتها الجدران.
(نكران)
طلبن منها أن تحمل عنهن حقائب الخطايا والخيبات ليسترحن قليلا.
ففعلت..
ثم تركوها تصعد الجبل وحيدة مُكبلة.
(فعل فاضح)
خلعت غطاء الرأس فنعتها بناقصة الدين. تركته وخرجت، فضغط على زر تشغيل الحاسوب كي يشاهد أجساد تتحرك بغنج.
(عفواً)
نفذ رصيد حياته بينما يكتب رسالة نصية لبرنامج يحقق الأمنيات.
(ضحكتان)
حين تمكنت الصغيرة من إقناع أمها بأنها اصطادت السمكة الكبيرة وحدها ضحكت.
وضحكت الكبيرة حين تمكنت من إقناع صغيرتها أنها صدقتها.
أدمعت حين تذكرت التي لم تعد صغيرة سر ضحكة أمها.
(بلاد الله)
خافت أن تمر على بلاد الحنين فلا تخرج منها.
(شغف)
تقف في الشباك تنتظر ماء السماء بشغف طفولي.
(لحظة)
واقفة في شرفة الغربة تنتظر لحظة الفرار البعيدة.
(سكينة)
في عتمة صندوق قلبها تفتش. أحست بوجوده جوارها، ابتسمت. نوره الطاغي أضاء الظلام. فارتدت ثوب السكينة وغفت.
(ركلة)
ركلها بقوة في بطنها. لحظة سقوطها على الأرض تذكرت ركلته الأولى حين كان يسكن داخلها.
(عتمة)
تمنت لو تستطيع أن تصرخ، فيشق صوتها عتمة الصمت.
(حلاوة روح)
صارت مثل سمكة خرجت توا من الماء.. تبرق قشرتها في الشمس بينما ينتفض جسدها بقسوة.. روحها معلقة بين برزخ النور وظلام الخوف. وحدها تسمع صوت الصياد المبتهج على خلفية أنينها.
(أمنية)
لو أنها تتوقف عن رشق الحنين بالذكريات.
(6)
كل سنة وأنت مبدعة يا نسرين.. يا أم مريم، يا كل نسرين.. يا كل أم، وكل حبيبة، وكل زوجة، وكل جدة، وكل بنت، وكل إنسان، قضيتك طويلة ومعقدة يا نسرين، لكنها قضية الغد المأمول، فلا تنهزمي ولا تتوقفي.
 

*مقال الكاتب الصحفي جمال الجمل المنشور بموقع المصري اليوم

30.1.14

عطر شاه .. متن وهامش يتعانقان في جديلة واحدة

تقتحم عوالم سردية شائكة

عطر شاه .. متن وهامش يتعانقان في جديلة واحدة

كتب: مدحت عبد الدايم..جريدة الشرق القطرية

سبعة أيام سأقضيها في فندق فاخر، ينقسم اليوم هنا بين ندوات ولقاءات مع أصدقائي الكتاب المقيمين هنا، أو أولئك الذين جاءوا مثلي لاستلام جوائزهم، لكن قمر سعادتي لم يكتمل، أمي ليست معي، لن تشاركني لحظة النجاح التي حلمت بها، على سلم الطائرة تذكرت نفسي منذ أربعة عشر عاما، حين وصلت وعائلتي للسعودية، ألقيت نظرة الوداع الأخيرة ثم أغمضت عيني، أهاب الصعود، غفوت وأنا أعانق حزني المكتوم، هز أبي ذراعي بخفة وقال: "أنظري لقد وصلنا، اتفرجي على البلد من فوق" بدا لي المشهد خاليا من كل شيء سوى اللون الأصفر.

إنها "عطر شاه" وفقا لرواية "نسرين البخشونجي" الصادرة عن "مجموعة النيل العربية" والتي تنتظم في جديلتين، أو متن وهامش، يشكلان معا مجرى لنهر واحد، من خلال قصة "عطر" الكاتبة الصحفية والروائية التي تحتفي مع زملائها بفوزها بإحدى الجوائز الدولية الأدبية قبل توجهها لاستلامها، وسط فرح البعض وغيرة الآخرين، ومن خلال قصة "شذى" التي تتعرف على "كريم" في دورة لإدارة الأعمال، وبعد توغلها في بحر الولع به، تطلب منه مقابلة والدها، فيختفي لبضعة أيام، وفي لحظة مكاشفة يقول لها بتردد: أنا بهائي، ليملأ الذهول فضاء المكان، ولتدلف الرواية إلى أجواء جديدة، أقل ما يمكن أن توصف به، أنها تقتلع شجيرات الأمل والحب دون رحمة، فالإسلام لا يسمح بهذه الزيجة وإن أجازها القانون، كما أن ديانة "كريم" وفقا لبطاقة الهوية "مسلم" وهنا يقفز السؤال من تلقاء ذاته: كيف يمكن لإنسان أن يعيش عمره منتميا لدين على الورق وآخر داخل أعمق نقطة في الروح؟

تعزف البخشونجي باقتدار على وتر حاد، من خلال إثارة العديد من القضايا الاجتماعية الشائكة فـ "عبير" زميلتها الجامعية التي تزوجت عرفيا من شاب مسيحي لأنها لا تحتمل الحياة بدونه، تم القبض عليهما في الشقة التي يلتقيان بها، ليجبر الشاب على إشهار إسلامه حتى لا يدخلا السجن بقضية آداب، أما "سامح" الملحد فيريد أن يثبت للجميع أنه تخلى بسهولة عن كل عاداته وأفكاره القديمة، فيما تكشف عن عورات التطرف والعصبية الطائفية المقيتة عبر مذابح البوسنة والهرسك المصورة، ومذابح لبنان، وفلسطين، وانفجار كنيسة القديسين بالإسكندرية، بينما ترى في  صورة "محمد بوعزيزي" مفجر ثورة الياسمين أيقونة لغضب الشباب العربي، وأن الحشود في مصر رفعت سقف مطالبها الثورية عندما أصاب الغرور السلطة الحاكمة، والأمر كذلك ترصد الرواية كيف صار موت الأبرياء في مصر، على الطرق، وقضبان السكك الحديدية، وفي المستشفيات من الإهمال، واصطياد الشباب كما الطيور في المظاهرات واقعا يوميا مريرا، فيما تنتقد البخشونجي في روايتها من يبحثون عن "السبوبة" عبر سلسلة لا منتهية من الكتب التي يتكون عنوانها من كلمة "ثورة" تليها أي كلمة أخرى، ذلك والثورة لم تنته بعد.

وفي جديلتها تلتحق "عطر" بمدارس المملكة لترصد أجواء التمييز بين السنة والشيعة عند الفتيات الصغيرات، والترويج لأفكار تعوزها المراجعة، وتصطدم ببعض أفكار معلمتها التي تتباهى بكثرة الإنجاب، حتى أن والدها المتأنق المتحدث بالإنجليزية، وبفعل تأثره بأجواء الغربة استبدل البذلة ذات الأكمام القصيرة في الصيف، بالجلباب القصير والسروال وبعد عودته إلى القاهرة اعتقل بأحد المساجد بعد أن أطلق لحيته، وتكتشف "شذى" بعد زواجها ممن لا تحبه خيانته لها بعد إنجاب طفلة بريئة، فتفكر جديا في التواصل مع كريم بعد أن أكدت له أن مشاعرها لا تزال بكرا نحوه، وبعد تحققه عمليا، وفي جديلتها وبعد أن تتسلم "عطر" جائزتها يتهافت معدو البرامج لتسجل معهم، تحكي لهم عن أمها، التي منحتها الحياة، وعلمتها أن تصمد كالوتد، وكيف أنها نامت على الأرض، كي تمنعها من الذهاب إلى ميدان التحرير أثناء الثورة خوفا من أن تتركها وحيدة، فماتت قبل تنحي المخلوع بليلة.


تحتفي مؤلفة الرواية بالعطر بشكل مدهش حتى لكأنه يفوح من بين السطور وعناوين الفصول: "بنفسج – شغف الياسمين – الورد رائحة الفرح والحزن- اسمي عطر- فرار الياسمين- ريحان- باتشولي النجاح" ولا يخفى أن اسم مؤلفة الرواية "نسرين" هو لنوع من الزهور ذات الرائحة النفاذة، وتقتحم الرواية عالم المطبخ لتكشف عن تفاصيل دقيقة في شخصية بطلتها التي تمارس عبر فن الطبخ إبداعا موازيا لفعل الكتابة، فيما ترصع جنبات الرواية بكثير من التساؤلات والحكم التي تضيف للعمل أبعادا فكرية وفلسفية عميقة: "لو نملك خيار العودة للماضي وتغييره، هل سنعدل أخطاءنا أم سنقترف بغبائنا أخطاء أكثر فداحة؟ - لو قرأنا أديان الآخرين لعرفنا ديننا بشكل أفضل كثيرا مما نحن عليه، لأننا كنا سنرغب في معرفة أكثر من المطروح علينا من علماء الدين - الاقتراب من المبدع إما يجعلك شديد الارتباط به أو تكرهه وتلعن كل لحظة أمضيتها مستمتعا بما كتب -نبكي ضياع الأندلس وننسى فلسطين- مشاهدة الأحداث على الشاشة ليست كالاشتراك فيها- الثورة أمل كل مظلوم". 

22.12.13

نسرين البخشونجى: الإبداع يعانى من قيود مجتمعية

كتبت - رانيا هلال

الروائح هى إحدى التيمات المميزة التى استخدمتها الكاتبة نسرين البخشونجى، واعتمدت عليها فى السرد الروائى فى روايتها «عطر شاه»، من خلال لغة رقيقة شفافة تهتم بتفاصيل المكان والزمان حيث تتناول حياة كاتبة مغمورة تحاول تحقيق طموحها ككاتبة فى الوسط الأدبى الذى تصطدم بصراعاته المستترة وحروبه الباردة، وفى هذا الإطار تتطرق إلى علاقتها بالطبخ وبالوحدة وببعض مفردات حياتها، حيث يتشكل وجدانها طوال الوقت مع تعاقب الأحداث، «عطر شاه» هى الرواية الثانية للكاتبة بعد رواية «غرف حنين» الصادرة عام 2011 كما أصدرت الكاتبة أيضاً مجموعتها القصصية الأولى «بُعد إجباري» عام 2009.


■ ماذا عنيتى بعنوان روايتك «عطر شاه»؟
فى الحقيقة يعنى الكثير، فهو يعبر عن روح النص السردى علاوة على اسم الشخصية الرئيسية فى الرواية وهو اسم غير مألوف أساسا وبالتالى سيثير فضول القارئ.


■ تتعرف البطلة من خلال الرائحة على العالم إلى أى مدى تتشابهين معها فى ذلك؟
فى الحقيقة، أتشابه معها كثيراً، فأنا عاشقة للروائح والعطور ربما لهذا السبب فكرت فى أن أكتب فى مديح العطر، والمفروض أن لكل سيدة عطرها الذى يوازى شخصيتها، استخدم أنا مجموعة كبيرة من العطور على اختلاف أساسها بما يتوافق مع حالتى النفسية. لكنى أريد ان أنوه على أن «عطر شاه» ليست نسرين والرواية ليست جزءا من حياتى كما كتب فى إحدى الصحف.


■ «ليس من السهل أبدا أن يكون المبدع مرتبطا».. إلى أى مدى تتفقين مع هذا الرأي؟
بصراحة، اتفق كثيراً، أم كلثوم مثلا ادركت هذا فتزوجت فى وقت متأخر، الحياة مع المبدع بشكل عام والكاتب بشكل خاص ربما لا تكون مريحة لمعظم الناس، فمزاج ما قبل الكتابة وما بعدها يشبه «النوة» التى تحدث فى شتاء الإسكندرية. ومع ذلك لا أستطيع نفى نجاح تجربتى الزوجية فقط لكونه رجلا متفهما تماما لطبيعة شخصيتى وتقلباتى المزاجية التى أحيانا تكون عنيفة ومفاجأة.


■ هل تغير رأيك بعد مرور ثلاث سنوات على الثورة فيما يخص القيود المفروضة على الإبداع؟
أعتقد أن القيود المفروضة على الإبداع قيود مجتمعية بالأساس، ولن تتغير بالشكل الذى نتمناه إلا إذا تغيرنا نحن من داخلنا. أحيانا كثيرة أفكر ان لدينا تحفظات على أشياء لم يحرمها الدين أساسا، باختصار نحن فى حاجة لأن نثور على أنفسنا قبل أن نثور على من وما حولنا من مفردات مجتمعية أخرى.


■ ماذا أضافت الثورة لكتابة هذا الجيل؟
لا أظن أن الثورة أثرت فى هذا الجيل بل العكس هو الصحيح، الحركة الثقافية المتمثلة فى ظهور جيل من الكتاب الشباب بالإضافة إلى ظهور الفرق الموسيقية غير الاستهلاكية هى التى أسست للثورة ودعمتها بقوة.


■ هل نجحت المدينة الفاضلة التى أنشئت فى التحرير فى تغيير نظرتنا إلى الآخر؟
هكذا ظننت، لكن يبدو ان التغيير لم يشمل المجتمع بأكمله. منذ بداية الثورة انتشرت تعبيرات مثل «أجندات، عملاء، فلول» ثم تطور قاموس التخوين وصار يشمل اصطلاحات جديدة» لجان الكترونية، خلايا نائمة، طابور خامس، مخطوف ذهنياً، منجذب، شيطنة» كل هذه الكلمات وجدت طريقها إلى عقولنا تشبعنا بها حتى كدنا نشك فى انفسنا. نحن الآن نتعامل بطريقة من يخالفنى الرأى فهو بالضرورة خائن للوطن لم يعد لدينا مساحة للتفاهم.


■ كيف ترين تناول الرواية للمسألة الطائفية فى مصر وفى العالم العربى بشكل عام؟
بصراحة، أراها متشابكة وشائكة، نحن نحاول أن نجعل الظاهر عكس الحقيقة، نريد أن نرسم صورة لأوطاننا داخل إطار الوحدة والتضامن والمحبة، ونحن بعيدين كل البعد عن هذا الإطار، فى مصر مثلا حين تسألين عن طبيب سيقال لك حرفيا «أعرف طبيب ممتاز بس مسيحي» كما أذكر يوماً قالت لى زميلة مسيحية متحدثة عن زميلة أخرى «دى منكم مش مننا» فى إشارة لكون الأخرى مسلمة، نحن من داخلنا مشبعين بالطائفية دون أن نشعر.


■ لخص «مقهى زهرة البستان» كثيرا من نظرة الكاتبة لمنطقة وسط البلد ثقافيا واجتماعيا، هل لنا أن نتعرف أكثر على تلك النظرة؟
ليست نظرة بل واقع، معظم المثقفين يلتقون هناك على المقهى، هناك سترين وجه المثقفين الحقيقي، فالوسط الثقافى مثل أى وسط فى المجتمع فيه الصالح وفيه الطالح، آفته من وجهة نظرى الشللية وأنصاف الموهوبين، لكن يظل مجتمع المثقفين مختلفا ومثيرا.


■ «أجلس كثيرا ألعب النرد مع ظلي».. هل أضافت مواقع التواصل الاجتماعية إلى نصيبنا من الوحدة؟
أضافت الكثير، رغم أننا نظن العكس، يظهر على صفحتك عدد هائل من الأصدقاء لكن محصلة تفاعلهم معك تكاد تكون صفرا، وهو ما يجعلنى أتساءل ما جدوى وجودهم من الأساس؟ هل هو مجرد رقم نرجوه ونحرص طوال الوقت على ارتفاعه بالتعليقات وإشارات الإعجاب؟


■ أسماء الأماكن والشخصيات العامة وحتى الأفلام المذكورة فى الرواية هل أثار لديك قلقا من أن يؤدى إلى محدودية تلقى العمل؟
بالعكس، هى محاولة للاقتراب من القارئ وإضافة الواقعية للنص، لن أخفى عليك سرا، لقد غيرت بعض الاسماء التى تحدثت عنها بشكل سلبى داخل النص الروائي، لأنى لا أريد أن أجرح أحدا، ولا أرغب فى أن يقال إن نسرين تبحث عن الشهرة من خلال افتعال المشكلات فى الوسط الثقافى.


■ يدور السرد فى دوائر عديدة مركزها الوطن كما يتضح من بداية الرواية وحتى جملة النهاية، فكيف عالجت الرواية علاقتك بالوطن؟
الوطن هو المدار الأصيل فى النص، أحيانا مع المشكلات نظن أننا سنترك مصر ونعيش بسعادة بالغة فى الوطن البديل، وهذا غير حقيقي، يقول المثل «الغربة كربة»، ربما نفقد الأمل فى التغيير لما نصبو إليه، لكن تظل قلوبنا وأرواحنا معلقة بكل التفاصيل، الشوارع والطقس وملامح البشر.


1.12.13

زحمة..زين عبد الهادى

فوضى السرد و حرية الخيال, بهذا المنطق كتب الروائي زين عبد الهادي روايته " أسد قصر النيل". ستخدعك أول عبارة في هذا العمل " إلى الكلاب التي تبيض في صمت وكذلك إلى الدول..التي تنجب للعالم كل يوم - وبلا أدنى تردد -معتوها جديدا." فتظن انك بصدد قراءة عمل يمكن ان يصنف على انه "فانتازيا" لكنك من خلال كل حرف ستكتشف انك وقعت في شرك نص صعب رغم بساطة اللغة السردية.
الرواية مقسمة إلى عشرين فصلاً في إشارة للسنوات التي قضاها فتحي "بطل النص" فاقداً للذاكرة. تعتمد على تقنية الراوي العليم لكن من خلال عدة مستويات للوعى, من خلال كاتب الرواية فتحي السيد الصياد ابن العبد - "السيد العبد" كان اسم بطل رواية عبد الهادي "التساهيل في نزل الهلاهيل"- و في وعى اخر زين عبد الهادي نفسه ثم ستكتشف في نهاية الرواية ان فتحي و زين هم نفس الشخص. يتوازى مع السرد أغنية عدوية " زحمة يا دنيا زحمة" و أغنية نانسي سناترا" خمر الصيف" .
تدور الأحداث في مدينة "قاف" التابعة لطيبة التي تعانى الزحمة في كل شيء زحمة بشر, زحمة أفكار, زحمة أحداث, و زحمة المدعين و المنافقين. و هو عمل أراد كاتبة ان يكون كاشفا للتغيرات الاجتماعية, الثقافية, و السياسية في مصر مستخدماً اسماء فرعونية رغم انها تدور في الحاضر و كأنه يقول اننا توقفنا عن الإنتاج منذ العصر الفرعوني.
 "المسكوت عن اسمه" احد ايقونات الرواية و هو الحاكم الذى اعطى ابنه صلاحيات كثيرة و اعده لاستكمال المسيرة من بعده, في اشارة  لقضية توريث الحكم التي كانت احدى شرارات ثورة 25يناير.
لا اعرف ان كان زين عبد الهادى قد كتب روايته عقب ثورة يناير ام انه كمبدع استطاع ان يستشرف الثورة فميدان التحرير كان له دور كبير داخل احداث الرواية, " وجدت صورة حبيبتي، كانت الدماء تملأ وجهها وهي تنام على الأرض بعد أن اصطدمت بها واحدة من قنابل الدخان في ساحة ميدان التحرير، كنا معا، وكانت المظاهرة عارمة".
رغم ان الرواية ذكرتني بأفلام خالد يوسف لأنها تقدم الواقع المصري بكل ما فيه من سواد, إلا ان النص لم يخلو من مقاطع تدفعك دفعا نحو الابتسام خاصة حين يكتب "والمجنون حمدي أبوجليل بوجهه الطباشيري الذي يذكرني دائما بالطلاء الجيري حالة وهمية أخرى من الانجذاب لقاف، يمكنك أن تراه واقفا على عربة الفول في المساء ثم بعد أن ينتهي يأخذ ورقة جرائد يتطلع إليها في براءة ثم يمسح بها يديه وفمه ويلقيها على الرصيف." في إشارة للكاتب الشهير و رغبة معظم كتاب الاقاليم في الانتقال للقاهرة كونها عاصمة الفن و الثقافة.
من الملفت أن "الحشيش" ذلك النبات المخدر كتب عنه عبد الهادي في عدة مواضع من النص, للتعبير عن استهلاك شعب "قاف" له حتى يظلوا "عايشين في الوهم".

رواية ممتعه تحتاج لقارئ واع لخروج الكاتب عن السرد المألوف صدرت عن دار ميريت للنشر و التوزيع بالقاهرة في أربعمائة صفحة.