Pages

8.12.09

فستــــان زفــاف

كانت تجلس أمام المرآة في محل الكوافير وقد بدأت عاملة التجميل في تجهيزها لتبدو كالقمر في ليلة اكتماله. أما مايان فكانت غير مرتاحة, ملامحها ليست كملامح فتاة في ليلة عمرها.. عيناها يغلب عليهما الحيرة والشجن؛ حتى إن مساحيق التجميل قد لا تفيد في إخفاء حزنها الدفين, و لم تُجدِ أغاني الأفراح التي كادت تصم أذنيها في إسعاد روحها المجروحة.
فجأة دخل المحل شاب في أوائل الثلاثينيات من عمره, خمري البشرة.. يرتدي ملابس شبابية تبدو غالية الثمن, كان يبحث وسط المكان المملوء بالشابات اللاتي سيبدأ حفل عرسهن بعد بضع ساعات, بدأ ينظر في وجوههن واحدة تلو الأخرى.. للوهلة الأولأنهن يبدين متشابهاتى شعر أنهن تبدون بعض الشيء متشابهاتأنهن يبدين متشابهاتأنهن يبدين متشابهات . ظل يحملق فيهن إلى أن وجدها, امتلأت عيناه بالدموع.. اقترب منها.. فانفجرت بالبكاء.
- مايان، أرجوكي ماتبعديش عني..ما أقدرش أعيش من غيرك
- أعمل إيه بس يا أحمد, مش إنت اللي رفضتني, أهلي مصممين على الجوازة، عايزين يداروا الفضيحة.
- إسمعيني, والله هتجوزك..أنا ماعرفتش قيمتك إلا لما حسيت إنك هاتضيعي مني.
- مافيش فايدة, كلهُ كلام.. إنت اللي ضيعتني.
- أرجوكي..
- أرجوك إنت.. اخرج برَّه.
جففت دموعها.. حاولت تجاوز الموقف, بينما كان في طريقه للخروج من المحل وقد علا صوت نحيبه.
منذ سنتين تعرفت عليه في إحدى الحفلات التي كانت تقيمها صديقتها في منزلها بشكل دوري.. أحبته.
أرادت مايان أن تعطي لأمه المتسلطة والمسيطرة على البيت صفعة.. وأن تصفع شرقية مجتمعها الخانق ألف ألف صفعة.
ضربت بكل شيء عرض الحائط, كفرت بكل دين ومعتقد.. قررت أن تعيش حياتها كما تريد هي وفقط.
تركت بيت عائلتها المفككة, لم تعبأ وقتها بحال أهلها عندما يكتشفون غيابها.. وأقامت معه في شقته بإحدى أحياء القاهرة الراقية, كان الجيران يعتقدون أنهما زوجان وارتاحا هما إلى ذلك.
كانت مايان قد خلعت عنها حجابها, ربما لشعورها بأنه قد يصبح قيدًا على حريتها. أدمنت التدخين في محاولة لنفث غضبها الداخلي في الهواء, والخمرَ لعلها تُسكِن أنين روحها.. أحبت أحمد لأنه كان يشاركها الجنون.. الغضب، والاهتمامات.
في أحد الأيام فاتحت مايان أحمد في رغبتها في الزواج, فقد بدأت تمل شعورها بالرخص وعدم الأمان.. كما أن كليهما أصبح يعرف الآخر كما يعرف نفسه.. والزواج ما هو إلى خطوة يثبت بها كل طرف ولاءه للآخر. لكنه رفض الفكرة بشدة.. متعللاً بعدم قدرته على إقناع أهله بها.
- إنت بتقول كلام فارغ (قالتها بانفعال شديد)، من إمتى يا باشا بيهمك حد؟..إحنا الاثنين شبه بعض.
- لاحظي إن ده ماكانش في الاتفاق اللى بينّا, و إنتي وافقتي على كده.. إنتي كده بتخلي بشروط الاتفاق!
- آه.. قول كده.. يعني الموضوع مش أهلك ولا أهلي.. سيادتك اللي مش عايز أي التزام.. عمومًا..إنت حر.. بس افتكر إنك أنت اللي قررت.
تركتْه.. قررت أن تعود إلى القفص الذي طالما كرهتهُ, كانت وقتها تشعر بخيبه أمل و ذل.. مقابلة أهلها لها كانت باردة كالثلج ليس بها عتاب ولا كلام.
وهي التي كانت تظن طوال الوقت أنهم سيوسعونها ضربًا وإهانة بمجرد رؤيتهم لها. تجاهلهم لها أشعرها بالضآلة وعدم الاهتمام, كما لو كانت عودتها تساوي العدم. ذلك الموقف الغريب أشعرها أن ثمة شيئًا يُخطط لها.. كانت تموت مع كل لحظة انتظار.
كان خبر موافقة أهلها على زواجها برأفت, قد نزل عليها كالصاعقة, كان أقسى عقاب يمكنها أن تتخيله.. شعرت وقتها أنها تحطمت وستظل باقي عمرها تتجرع ويلات العذاب مع ذلك الشخص.
إصرار أهلها على زواجها برأفت كان ردهم الوحيد على تصرفاتها الحمقاء.. ذلك الشاب السخيف, الذي ظل يتقدم لها عدة مرات منذ تفجرت أنوثتها, بعد أن راهن جميع أصدقائه على الاستحواز على جسدها البض.
تم الاتفاق بين عائلتها ورأفت على إقامة حفل زفاف كبير بعد عشرة أيام فقط.. هذا هو الاتفاق الوحيد.. فلا شيء يهم الآن.

2 comments:

أرحب بجميع الآراء و الملاحظات على مدونتي ^_^

قال تعالى : { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }

نسرين البخشونجى