Pages

5.12.11

عرض لرواية "غرف حنين"

بقلم: د/مصطفى عمر الفاروق


"غرف حنين" رواية فلسفية بالدرجة الأولى، وإن كنت أراها أقرب إلى السيرة الروائية منها إلى الرواية. تطرح الكاتبة في روايتها مجموعة من الأسئلة في
محاولة لفهم الحياة التي تزداد تعقيدا باستمرار، من خلال شخصيات الرواية الثرية بالتناقضات، فالبطلة "حنين" - على سبيل المثال – امرأة في الأربعين من عمرها، تعيش بمفردها في فيلتها الأنيقة بالزمالك، تعاني البطلة من الوحدة الشديدة فتسعى لملأ وحدتها باكتشاف عالم الإنترنت. تغرق في غرف الدردشة وتجوب الشوارع الجانبية للفيس بوك. تصدمها آراء بعض الأصدقاء على الشبكة .. فينحسر وجودها تدريجيا من غرف الدردشة الصوتية، لكنها تبقي على صديق واحد هو "زاكي" المغربي الذي يفاجأها بأنه مثلي الجنسية! لكنها تتعاطف معه نظرا لما يعانيه مثليو الجنسية من الوحدة كنتيجة حتمية لاضطهاد المجتمع ونبذه للشواذ


يدفعها الملل إلى التفكير في تحويل فيلتها إلى فندق للسيدات فقط، وتختار له اسم: "الحرملك". يتيح لها "الحرملك" التعرف إلى بقية أبطال العمل .. "كرمة" الثرية المنبوذة من عائلتها .. "آمال" مديرة البنك التي لم تتزوج وقد أشرفت على التقاعد .. "زينب" الخادمة الملتوية التي تخفي حقيقتها على مخدومتها


يحدث تآلف غريب بين قاطنات "الحرملك"، فبالرغم من اختلاف شخصياتهن وتباينها إلا أنهن يجتمعن على شيء واحد: الشعور القاتل بالوحدة، لذا كان من الطبيعي أن يتحول اجتماعهن يوميا على العشاء إلى ميعاد مقدس فهو يعوض افتقادهن لدفء الروابط الأسرية والعائلية، ومن خلال تلك اللقاءات اليومية تطرح الكاتبة العديد من الأسئلة تتركها للقاريء بلا إجابة أو تؤجل إجابتها إلى أجزاء تالية من الرواية

الكاتبة تستخدم أسلوبا قريبا من أسلوب الرواية متعددة الرواة، فهي تمنح شخصيات الرواية مساحات من الحكي والاعتراف وهذا لا يتعارض مع وجود راوية أساسية هي "حنين". هذه الطريقة قد تسبب بعض الارتباك للقاريء غير المحترف لكنها في نفس الوقت تثبت مقدرة الكاتبة وتمكنها من أدواتها

حرصت الكاتبة على ألا تبوح بأسرار بطلة العمل "حنين" منذ البداية .. حتى تضفي لمسة من الغموض عليها، مما يضفي نوعا من التشويق على الرواية يحفز القاريء على مواصلة القراءة حتى النهاية. وتظل البطلة مغلفة بتلك الهالة الغامضة حتى منتصف الرواية، بعدها تبدأ الكاتبة في كشف ستار الغموض عن البطلة. لنكتشف عددا من المفاجأت لا أستطيع البوح بها هنا حتى لا أفسد تلك المتعة على القاريء

تتعرض الرواية لعدد من الظواهر الاجتماعية مثل التدين الظاهري الذي كان سببا رئيسيا في انفصال "نور" عن والدتها "حنين" إلى الأبد .. حيث تقرر الفتاة أن ترتدي النقاب وتتزوج بمن لا ترضاه الأم زوجا لابنتها .. إلى هنا وكل شيء منطقي، أما غير المنطقي أن تقرر "حنين" فجأة أن تتحجب – وهي التي رفضت نقاب ابنتها - حتى تتقرب من الله وكأن هذا اعتراف ضمني بأن موقف ابنتها كان صحيحا منذ البداية، هذا التطور في شخصية الأم لم يكن مبررا أو لنقل لم يُمهد له في الرواية بشكل جيد، فالمفترض أن البطلة ضد التدين الظاهري وهذا ما جعلها تنسجم في عالم "الصوفية" الذي كان "زاكي" مدخلها إليها ، فكيف اقتنعت فجأة أن الحجاب سيقربها من الله

الرواية بها بعض علامات الاستفهام التي لم أعثر لها على إجابة .. على سبيل المثال: لماذا اعتقلت الشرطة "زاكي" وصديقه مثليّ الجنسية وهما في زيارتهما لمولد "بن حمروش" .. هل لأنهما من الشواذ؟ وهل الشذوذ الجنسي جريمة في المغرب التي تتغلغل فيها الثقافة الفرنسية؟ وإذا كان الشذوذ جريمة في المغرب، فكيف تسمح السلطات بوجود جمعية اسمها "كيفكيف" ترعى شئون المثليين في المغرب؟ .. النقطة الأهم أن "زاكي" يحكي لـ "حنين" كيف كان والده يضرب أمه الحبيبة ضربا مبرحا لكنها كانت تتحمل هذا من أجل ولدها، فقد كانت تخشى الانفصال حتى لا يحرمها الأب القاسي منه .. حتى كره الفتى أباه وأصبح في نفس الوقت يحب أمه حبا مقدسا، فكيف تؤدي هذه الخلفية إلى إصابته بمرض "الشذوذ الجنسي" ... لست طبيبا نفسيا لكن ليس من المنطقي أبدا أن تدفع قسوة الأب مع زوجته الابن إلى أن يكون مثليا، بل العكس هو الصحيح! .. شخصية "زاكي" عموما عليها العديد من علامات الإستفهام حيث لم تنجح الكاتبة في زرعها بنعومة داخل الرواية

نقطة أخيرة أحب أن أنوه لها، هي أن الكاتبة ينقصها أحيانا التدقيق في اختيار الكلمات، فهي تقول على سبيل المثال: "كيف أصبحتُ بهذا الكم من الفضول؟" .. وهل الفضول شيء مادي يمكن قياسه حتى تتحدث عنه بالـ "كم"؟! والأصوب أن تقول: "كيف أصبحت بهذه الدرجة من الفضول؟" .. لا أقصد تصيد الأخطاء اللغوية للكاتبة لكن هذه الأخطاء تمثل بالنسبة لي بقعة سوداء في صفحة بيضاء .. فالعمل الأدبي مهما كان جيدا لا تكتمل حلاوته إلا بلغة محكمة خالية من الأخطاء

"غرف حنين" رواية ممتعة تبحر بك في عالم متشابك من الصراعات النفسية .. رواية مختلفة في أفكارها وأسلوبها عن الكتابات السائدة في الفترة الأخيرة.. وهي بلا شك عمل أدبي يستحق القراءة. وجدير بالذكر أن الطبعة الأولى من الرواية الصادرة هذا العام قد نفدت وستصدر الطبعة الثانية قريبا عن نفس دار النشر


No comments:

Post a Comment

أرحب بجميع الآراء و الملاحظات على مدونتي ^_^

قال تعالى : { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }

نسرين البخشونجى