Pages

1.8.12

تلك الرائحة

كنت أفتش في ذاكرتي عن قصة أحكيها لطفلي قبل النوم.. لكني لم أعثر على اي من تلك الحكايات التي قضت أمي ليلاتها تقصها عليّ، بدت دماغي خالية من تلك القصص الطفولية الساذجة، بينما تلح على ذكريات طفولتي. هل سأكون انا بطلة قصة هذه الليلة؟ هل سأحكي لهُ عن ذلك اليوم الذي أفطرت فيه في نهار رمضان بسبب كعك العيد؟ واني كنت تلك البنت السيئة التي لم تستطع مقاومة روعة رائحته وهو طازج؟

كانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي خبزت فيها أمي الكعك -حتى انني حين كبرت لم أستطع ان أردد يوماً كلمات درويش التي تلح على باستمرار «أحن لخبز أمي وقهوة أمي» لأنها كذلك لم تعد القهوة لي أبداً-. تعودنا ان ترسل لنا جدتي الكعك كل عام مع «عم عبدالناصر» الكُمساري. 

قررت أمي ان تقدم على فعلتها تلك بمساعدة صديقتها نادية. يومها عدت من المدرسة فاذا بتلك الرائحة تتسلل الى انفي حتى صار من الصعب التخلص من رغبتي المتوحشة في أكل قطعة من كعك أمي. طلبت مني كالعادة ان أغير ملابسي والوضوء لألحق بصلاة الظهر قبل ان يحين موعد العصر. فعلت تماماً ما طلبته مني.. لكن رائحة الكعك كانت مسيطرة على فكري، كيف سأنتظر حتى يحين موعد آذان المغرب وانا التي تعشق حلوى العيد.. ملابس العيد لا تعنيني كما أهتم لتلك اللحظة التي ألتقي فيها مع أول قضمة من ذلك الشيء الذي يذوب في الفم، طعم الزبد الممزوج بالسمسم المحمص والدقيق والسكر.. يا الله.

تسللت الى غرفة الطعام -بينما كانت أمي مشغولة عني بصلاة العصر- حيث تضع الصواني، مددت يدي وأخذت واحدة بسرعة فائقة.. قضمتها في لهفة وبعد لحظة جحظت عيوني وصرت أمضغها ببطء شديد. لا أريد ان ابتلعها.. لا أريد. فأنا أكره تلك النكهة التي وضعتها أمي في الكعك. وقتها ظننت انه عقاب الله، ولم أفكر ان صديقتها ربما هي التي أشارت عليها فأضافت «ماء الزهر» للعجين.

حانت ساعة الحكي.. مازلت مترددة كيف سأحكي لهُ عن فعلتي تلك، لكنني حين جلست بجوار سرير صغيري بينما شباك الغرفة مفتوح أمامي.. بدا لي القمر بدرا، فوجدتني أحكى لهُ عن الشمس أخت القمر التي تذهب للنوم مبكراً، وترسل له اشاعتها، ليضئ ليلنا الحالك.

*تم نشر هذه القصة بجريدة النهار الكويتية

No comments:

Post a Comment

أرحب بجميع الآراء و الملاحظات على مدونتي ^_^

قال تعالى : { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }

نسرين البخشونجى