Pages

24.3.09

هلاوس

راودتني الفكرة، بل وتغلغلت بأعماق رأسي.. أمسكت تليفوني المحمول و اتخذت قراري, ضغط على رقم 2 خمس مرات وقد بدأ قلبي يدق بشدة ودماغي يكاد ينفجر من دوامة الأفكار المتلاحقة, انتظرت في لهفة أن يرد عليَّّ المُعبر لألقي بأحلامي المريبة في جعبته.
ردت رسالة مسجلة تطرح عليَّ عدة اختيارات: "إذا أردت معرفة أجدد الأطباق الشهية اضغط1, إذا أردت تحميل أحدث الألعاب لتليفونك المحمول اضغط 2.
إذا أردت.. إذا أردت.. بدأت حالة من الملل تتسلل إلى نفسى, و تساءلت متى سأتحدث مع المُعبر حتى أستريح. بعد أكثر من خمس دقائق, كنت خلالها قد سئمت وندمت، سمعت الصوت يقول: "إذا أردت تسجيل حلمك ليفسرهُ لك المُعبر الشهير في غضون 24 ساعة اضغط 1000, إذا أردت محادثة المُعبر شخصيًّا اضغط 1001".
لم أكذب خبرًا، ولم أعط لنفسى فرصة لأستمع إلى باقي الاختيارات, ضغطت الرقم في لهفة غير مسبوقة.
بدأ صوت رنين الهاتف يزعج أذني.. وبعد لحظات كنت ظننت خلالها أن الوقت و المال قد ضاعا هباءً, فاجأني صوت الطرف الآخر قائلاً:
- السلام عليكم
- وعليكم السلام يا شيخ.. (أجبت بصوت يجمع بين التردد والإصرار ).
- تفضلي يا أختي، قصي عليَّ حلمك.
- رأيت ليلة أمس جدت لأبي وقد كانت على فراش الموت, لكن وجهها كان غريبًا, و كأنها واحدة أخرى غير جدتي، و..
لم يدعني أكمل حلمي و قاطعني:
- أبشري يا أختي، جدتك طويلة العمر.
- يا شيخ، جدتي متوفاة منذ بضع سنوات!
- آه، أكملي.. (قالها بنبرة يشوبها الحرج).
- كان والدي يقف خلفي حينما فارقت جدتي الحياة, فسقط على الأرض باكيًا، وقد أخذته في حضني وكنت أقول له: "البقاء لله يا والدي.. البقاء لله", رددتها كثيرًا. و إذ بي أرى خالتي تقف على صفحة النيل وقد أصبح صلبًا أو قد يكون جافًا بلا ماء.. وكانت تنتظر سيارة..
- بعد صمت طويل.. رد عليَّ المعبر:
- هذه ليست رؤيا يا أختي.. كاد يقفل الخط لولا أنني هممت بأن أقول له:
- أرجوك لا تغلق الخط فعندي حلم آخر رأيته ليلة أمس, وهذا الحلم بالذات يتكرر معي كثيرًا, أرجوك فسره لي.
رد بنبرة يتخللها شعور بالضيق:
- تفضلي.
- أحلم دائمًا بأن جنود الاحتلال يحاولون قتلي وأحيانًا اغتصابي..
لم يدعني أكمل كالعادة و قاطعني قائلاً:
- أي احتلال؟
- جنود الاحتلال يا شيخ.
- نحن لسنا في دار حرب.

قاطعته قائله بإصرار: "بل يحاولون قتلي بالرصاص الذي كثيرًا ما أشعر به يخترق جسدي فأسقط .. وقد ظننت أني قد مِتُّ, لأجد نفسي أقوم من جديد و أعاود الركض والاختباء, و يملؤني شعور بالخوف.. لا، بل هو شعور بالرعب.
ظللت أحكي له الحُلم بكل تفاصيله ومعاناته, و كيف أنني أصحو من النوم وقد تمكن مني ذلك الشعور القاتل.. فأظل خائفة مُكتئبة على مدار اليوم, و بداخلي سؤال مُلح: بماذا يشعر من يعيشون في دار حرب؟
حكيت كل شيء وانتظرت إجابته على أحر من الجمر.. لكنني لم أسمع له صوتًا.. لأكتشف أن الشيخ قد أنهى المكالمة دون أن يفسر لي حُلمي.
ملأني ذلك الشعور بالخذلان وكنت قد نويت أن أقص عليه حُلمًا آخر أخير, حيث أرى فيما يرى النائم أرضًا واسعة.. بها أشجار, أنهار و بحار.. ووديان و صحراء.. أرضًا بها كل الخير. يعيش فيها أبناء عشيرة واحدة, كل له بيته, أرضه, كنزهُ.. وأسرتهُ.. لكنهم لم يكونوا أبدًا متفقين.
و في يوم هاجمهم كائن غريب رأسه رأس خنزير وجسده جسد قرد.. هاجم ثلاثة بيوت ولم يُغث أهلها أحد من أبناء العشيرة, رغم أنهم في يقين بأن دورهم قادم لا محالة.
أغمضتُ عيني وقد بدأت أشعر بتعب غريب يتسلل إلى جسدي النحيل الضعيف, قلت لنفسي: "ربما لم يجبني المُعبر لأنه ظن أنها مجرد هلاوس.. أو ربما لم ينتبه أنها قد تكون رؤيا".

No comments:

Post a Comment

أرحب بجميع الآراء و الملاحظات على مدونتي ^_^

قال تعالى : { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }

نسرين البخشونجى