Pages

11.1.13

البلياتشو


1
كل صباح.. تجلس أمام المرآة تلون قسمات وجهها بألوان الفرح. ترسم عيونها بقلم الكحل الأسود وعلى جفونها لمسة من ظلال الجفون البرتقالية اللامعة مثل شعاع الشمس، ثم تضيء وجناتها ببودرة بلون المشمش.. أما شفتاها فلون الخوخ يناسب بشرتها الخمرية. زميلاتها يحسدنها على قدرتها في وضع الماكياج الجرئ.. المتقن.. الــ.. الأوصاف كثيرة. 
ترد بابتسامتها الرائقة.. على مديحهم.
لكنها حين تعود لبيتها المنمق باستمرار، وتزيل بقطعة قطن بيضاء عن وجهها كل الألوان، يظهر لون جلدها الشاحب وعيونها الذابلة من فرط السهر. 
تجيد فن التزين كما تحسن إخفاء حزنها عن الجميع. ضحكتها الساحرة تخفي آلام الوحدة اللانهائية. ترتب غرف شقتها باهتمام، تعد الطعام، ثم تنتظر، لكنها ككل يوم تنام جالسة على كرسي الصالون المذهب.
 لا تصدق أن من تنتظره لن يعود، قالتها لنفسها كثيرًا، لكنها في ذات الوقت تأبى الإنصات. عقرب الانتظار يتسلل إلى داخلها عبر ندبة بالروح محدثًا نزفًا يلتهم وقود أيامها. 
2
كل صباح.. يقف أمام المرآة يحلق ذقنه المكسوة بالشعر الرمادي. يخلع عنه رداء الصمت، يلبس بذلته الأنيقة ويخرج. يمضي وقته في العمل مستمعًا لمشاكلهن. يجيد هو لعبة حل المشكلات. يعرف كيف ينطق الحروف المكونة للكلام المعسول بنبرة واثقة، مغلفة بصوت حنون. 
يجلس كالطاووس حين تبادر إحداهن بحسد تلك المرأة التي تشاركه الوجود.
لكنه حين يعود إلى بيته المنمق باستمرار، يزيل آثار الحنان العالق ببذلته، ينزع عنه ضحكة مباسمه.. فيظهر وجهه العابس وعيونه الهائمة دائمًا.
لا يصدق أن من أحبها لن تعود.. مهزوم لغيابها.. أحاسيس استنزفت روحه.
يدخل غرفته، يرتاح من أثر العمل، ثم يعلن عن جوعه.
3
يجتمعان على مائدة الغربة، وصوت الصمت ثالثهما.
ما زالت في انتظار رجلها الذي عرفته.. تجلس على الكرسي الموجود دائمًا أمام الباب. تتنصت على الصاعدين والهابطين على الدرج.. لا لرغبة في معرفة أسرارهم.. إنما فقط في الانتظار.
ما زال يجلس وحيدًا على الكرسي البامبو الموضوع دائمًا في الشرفة.. يحتسي قهوته السادة وعيونه معلقة بالسماء. على وجهه تجاعيد.. رسمها الزمن والفقد.

No comments:

Post a Comment

أرحب بجميع الآراء و الملاحظات على مدونتي ^_^

قال تعالى : { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }

نسرين البخشونجى