Pages

9.5.13

مقطع من رواية "عطرشاه" تصدر قريباً


كلما سالت دماء على مذبح الوطن, أتذكر طفولتي, كنت أمضي إجازة نصف العام في بيت جدي, ألعب مع صديقاتي في مدخل العمارة.
ذهبت مع إحداهن لبيتها كي تدخل دورة المياة، شاهدت امرأة عجوزًا جالسة في الصالة، معها ورقة مقصوصة على هيئة إنسان, رأس و أربع أطراف، العجوز تسخِّن طرف الدبوس على “بابور الجاز” الموجود أمامها, ثم تخرم بها الورقة بينما تتمتم بكلمات لم أتبينها, و حين انتهت أحرقت العروس الورق.
لما خرجنا أنا و صديقتي إلى حيث كنا نلعب, سألتها
“- هل هذه العجوز قريبتكم, لقد رأيتها تفعل أشياء غريبة؟
- أنها طقوس لتخرج “الصوّل” من بيتنا،
- الصوّل, من هو الصوّل؟
- أعني الجن الساكن بيتنا, تقول العجوز أنها امرأة ماتت مقتولة منذ سنوات، ثم أكملت، نحن نعيش معهم هناك الصوّل أبيض و أخر أسود. الأبيض طيب لكن الأسود شرير يؤذي الناس”.
 لم أنم تلك الليلة من شدة الخوف, دسست رأسي في صدر أمي، ليلتها تهيأ لي أن ثمة حركة في صالة الشقة, ظللت أتمتم بأية الكرسي كما علمني أبى كي لا يؤذيني الصوّل.
لابد أن الوطن به الملايين من هذه الكائنات اللامرئية, في وطني صار عاديًا موت الأبرياء، كل يوم، بالمئات على الطرق, على قضبان السكة حديد, وفي المستشفيات من الإهمال، و الجديد اصطياد الشباب كما الطيور في المظاهرات.
في بلادي صار الحزن على الموتى عادة يومية, مصر تتدثر في فستان الحداد ، و ما أن تخلعه حتى ترتديه من جديد. ثلاثة ألوان على العلم هي اختصار لقصة وطن.
 دماء الشهداء, ثورتنا البيضاء و ثياب ما عاد السواد يحتملها.

No comments:

Post a Comment

أرحب بجميع الآراء و الملاحظات على مدونتي ^_^

قال تعالى : { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }

نسرين البخشونجى